عدد الرسائل : 6 العمر : 37 بطاقة تعريف : نقاط : 18 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
موضوع: الأنثروبولوجيا الخميس أكتوبر 08, 2009 4:54 pm
لغة : الأنثروبولوجيا(anthropologie )، كلمة انجليزية مشتقة من أصل يوناني، مكونة من لفظين: الأول anthropo تعني الإنسان، والثاني logos ويعني علم أو دراسة، وبذلك تصبح الكلمة مجتمعة علم الإنسان أو علم دراسة الإنسان. "وقد ظهر هذا المصطلح أول ما ظهر- حسب ما يرى الباحث الفرنسي جان بوارييه J. Poirier - في القرن الثامن عشر ليعني دراسة التاريخ الطبيعي للإنسان، وربما كان عالم الطبيعة الألماني يوهان بلومينباخ هو أول من أدخل الكلمة في منهج تدريس التاريخ الطبيعي، وذلك في الطبعة الثالثة لكتابه الذي صدر عام 1795 بعنوان"التنويعات الطبيعية الجوهرية بين البشر"، ثم أشاع الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت I. Kant استخدامه خاصة بعد صدور كتابه"الأنثروبولوجيا من منظور عملي" . غير أن هذا التعريف للأنثروبولوجيا يجعلها تلتبس بالعلوم الإنسانية التي يدرس كل منها جانب أو أكثر من جوانب الإنسان والحياة الإنسانية، فالتاريخ مثلا والجغرافيا البشرية ، علم الاجتماع ، علم النفس، وعلم السياسة وغيرها من العلوم الإنسانية تبرز الإنسان، ولكنها في نفس الوقت لها مجالها الخاص الذي يختلف عن مجال الأنثروبولوجيا ولعل هذا هو السبب الذي جعل بعض المفكرين يسمي هذه الكلمة علم الإنسان الأول، وذلك لما عرف عن الأنثروبولوجيا من أنها تدرس المجتمعات البدائية، ولكنها لاتقتصر على دراسة المجتمعات البدائية بل تتجاوز ذلك إلى دراسة المجتمعات المتحضرة. اصطلاحا: الأنثروبولوجيا هي العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو كائن عضوي حي، يعيش في مجتمع تسوده نظم وأنساق اجتماعية في ظل ثقافة معينة، ويقوم بأعمال متعددة، ويسلك سلوكا محددا. وهو أيضا العلم الذي يدرس الحياة البدائية ، والحياة الحديثة المعاصرة ، ويحاول التنبؤ بمستقبل الإنسان معتمدا على تطوره عبر التاريخ الإنساني الطويل، ولذا يعتبر علم دراسة الإنسان(الأنثروبولوجيا) علما متطورا، يدرس الإنسان وسلوكه وأعماله. "وتعرف أيضا على أنها علم الأناسة أي العلم الذي يدرس الإنسان كمخلوق ينتمي إلى العالم الحيواني من جهة، ومن جهة أخرى أنه الوحيد من الأنواع الحيوانية كلها، الذي يصنع الثقافة ويبدعها والمخلوق الذي يتميز عنها جميعا". كما تعرف الأنثروبولوجيا بصورة مختصرة وشاملة بأنها علم دراسة الإنسان طبيعيا واجتماعيا وحضاريا، أي أنها لاتدرس الإنسان ككائن وحيد بذاته أو منعزل عن أبناء جنسه، إنما تدرسه بوصفه كائنا اجتماعيا بطبعه، يحيا في مجتمع معين له ميزاته الخاصة في مكان وزمان معينين" . "…يعرفها تايلور:" بأنها الدراسة البيوثقافية المقارنة للإنسان ، إذ تحاول الكشف عن العلاقة بين المظاهر البيولوجية الموروثة للإنسان، وما يتلقاه من تعليم وتنشئه اجتماعية" . تعريف هوروين: "إن الأنثروبولوجيا قد ركزت اهتمامها على دراسة الإنسان ماقبل التاريخ والإنسان البدائي، ولكن من حيث كونها علما لدراسة الإنسان ينبغي لها أن تدخل في مجالها دراسة الإنسان وعلى أي مستوى كان سواء مستوى ثقافي بدائي أو متحضر وينبغي لها أيضا أن تضمن أبحاثها دراسة الإنسان، وفي أي زمن كان سواء قبل التاريخ أو في العصور التاريخية أو المعاصرة". والأنثروبولوجيا تعني في أبسط تعاريفها " ذلك الفرع من دراسة الإنسان الذي ينظر للإنسان من حيث علاقته بإنتاجه". "وعلم الإنسان أو الأنثروبولوجيا هو علم يهتم بكل أصناف وأعراق البشر في جميع الأوقات، وبكل الأبعاد الإنسانية، فالميزة الأساسية التي تميز علم الإنسان بين كافة المجالات الإنسانية الأخرى هو تأكيده على المقارنات الثقافية بين كافة الثقافات، هذا التميز الذي يعتبر أهم خاصيات علم الإنسان. وللأنثروبولوجيا تعريفات عدة أشهرها: - علم الجماعات البشرية وسلوكاتها وإنتاجها. - علم الإنسان من حيث هو كائن طبيعي واجتماعي وحضاري. - علم الحضارات والمجتمعات البشرية."
موضوع علم الإنسان "يقول العالم هويت في كتابه علم الإنسان:" إننا باستخدامنا لتعبير علم الإنسان لانقصد به دراسة الإنسان ككل وإنما المقصود به هو دراسة الإنسان البدائي وهذا يعني دراسة المجتمعات الفطرية وذلك لأن دراسة الإنسان المتطور المعقد في المجتمعات المتحضرة بالمعنى الحضري للكلمة هو ليس من مهمة عالم الأنثروبولوجيا وإنما هو من مهمة عالم الاجتماع". ويذكر العالم كلايت كلوكون في كتابه مرآة الإنسان الصادر في أوائل القرن 20 أطلق على العلماء الذين شغلوا أنفسهم بالأوجه غير العادية أو الغريبة لتاريخ الإنسان باسم علماء الإنسان حيث كان هؤلاء العلماء يبحثون عن الموطن الأصلي للهنود الأمريكيين، وعن العلاقة بين ضوء الشمس ولون البشرة وعن صناعة الخزف وكانوا يريدون من ذلك معرفة كيف سلك الرجل الحديث طريقه، ولماذا يحكم شعبا ملكا في حين يحكم شعبا آخر مجموعة من الشيوخ وشعوب أخرى مجموعة من العسكريين ولا يوجد شعب تحكمه النساء إلا نادرا. ولماذا تنتقل الملكية عند بعض الشعوب متبعة قرابة الذكور وعند بعضها الآخر تتبع قرابة الإناث في حين نرى بعض الشعوب الأخرى يرث الذكور والإناث معا. إذا فقد كان هؤلاء العلماء يبحثون عن الكليات أو المبادئ العامة في علم الحياة الإنسانية وفي الأخلاق الإنسانية، ولقد برهنوا على أن الناس في جميع القارات والأقاليم من الناحية الفيزيائية هم أكبر في درجة تشابههم منهم في درجة تفاوتهم، وقد اكتشفوا كثيرا من المتشابهات بين العادات الإنسانية، حيث أمكن تفسير بعضها وبذلك أصبح علم الإنسان يطلق عليه علم المتشابهات والمفارقات الإنسانية. فعلم الإنسان إذا يدرس المجتمعات البدائية لاكغاية في ذاتها ولكن بهدف الوصول من تلك الدراسة إلى زيادة في فهم الطبيعة الإنسانية والنظم والعادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمعات الحديثة لأننا إذ ندرسها إنما ندرس أصولها الأولى وما طرأ عليها من تغير وتطور" . ومن هذا المنطلق فإن علم الإنسان يدرس الإنسان من زاويتين فهو يدرسه أولا من حيث كونه جزء من الطبيعة و من العالم بكل ما يسوده من الظواهر، وبذلك فالإنسان يعد ظاهرة طبيعية أو سلالة بيولوجية إذا فهو يعد علما طبيعيا لأنه يدرس كيف نشأت الحياة في هذا العالم؟ وكيف تشعبت التركيبات الحيوانية وتفرقت ثم تعقدت؟ وما هي الأوجه المتشابهة والمتفاوتة بين الإنسان والمجموعات الحيوانية الأخرى؟. ولكن الإنسان يتميز عن غيره من الحيوانات بالتفكير وبما وصل إليه هذا التفكير من نظم ثقافية وحضارية، ومن هنا تأتي الزاوية الثانية التي ينظر منها إلى الإنسان للإنسان إذ يدرس النظم الاجتماعية والثقافية في نشأتها وتطورها وما عسى أن يكون قد حدث بينها من تأثير متبادل أو غير متبادل ، ومن هذه الناحية فعلم الإنسان يكون علما اجتماعيا. فهو يتميز بصفة هامة تجعله فريدا بين العلوم . وهو أنه بمعالجته للإنسان يحتوي على نوعين من الدراسات. النوع الأول: دراسات فيزيائية تبحث في الإنسان من حيث هو كائن. النوع الثاني: دراسات اجتماعية وهي تبحث في الإنسان من حيث هو حيوان مفكر قادر وحده دون كل الحيوانات على إبداع النظم والثقافات. و كما جاء في عبارة الباحثة الأمريكية مارجريت ميد m.mead " نحن نصف الخصائص الإنسانية البيولوجية والثقافية المحلية كأنساق مترابطة ومتغيرة، وذلك عن طريق نماذج ومقاييس ومناهج متطورة، كما نهتم بوصف وتحليل النظم الاجتماعية والتكنولوجيا، ونعنى أيضا بوصف الإدراك العقلي للإنسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصالاته". وتأسيسا على ما تقدم، فإن الأنثروبولوجيا هي العلم الذي يدرس الإنسان ويدرس أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بينه وبين الكائنات الحية الأخرى من جهة، وأوجه الشبه والاختلاف بين الإنسان وأخيه الإنسان من جهة أخرى. وفي الوقت ذاته يدرس السلوك الإنساني ضمن الإطار الثقافي والاجتماعي بوجه عام.
أهداف علم الإنسان علم الإنسان يسهم أولا وقبل كل شيء في إفهامنا التعبير الغامض الذي نطلق عليه اسم الطبيعة الإنسانية ذلك أننا كما يقول العالم كلوكوهون"إننا لانعرف أنفسنا جيدا، إذ نتكلم عن شيء غامض وحائر ألا وهو الطبيعة الإنسانية، فنحن نأكد وبقوة أن ثمة طبيعة إنسانية تؤدي بنا إلى أن نفعل هذا ولا نفعل ذاك، وعلم الإنسان يبحث عن تعريف تلك الطبيعة وعما إذا كانت تلك الطبيعة تعمل عند الشعوب المتحدثة باللغة الاسبانية بطريقة تختلف عنها عند الشعوب المتحدثة باللغة الانجليزية مثلا، وما إذا كانت مظاهر تلك الطبيعة الإنسانية واحدة عند جميع السلالات البشرية المختلفة، وما هو سر اختلاف الشعوب في ألوانها ولغاتها ونظمها الاجتماعية والثقافية وعلم الإنسان في سبيل وصوله إلى تحديد للطبيعة الإنسانية والتعريف بها وفهمها، كما يدرس المتشابهات والمتناقضات بين الشعوب المختلفة أي القديم منها والحديث، أي أننا لانستطيع فهم تلك الطبيعة( أي بمعنى فهم أنفسنا على حقيقتها إلا إذا فهمنا كيف تواجه الشعوب التي تختلف في وسائل تربيتها وتعليمها والتي تعيش في ظروف جغرافية وبيئية متغايرة ومختلفة والتي تنتمي إلى سلالات وأصول متباينة).كما نتكلم أيضا لغات ولهجات مختلفة، كيف تواجه تلك الشعوب مشكلاتها وتشق طريقها في الحياة وحينئذ يمكننا أن ندعي فهم طبيعتنا البشرية، والبحث في الطبيعة البشرية قديم قدم الإنسان نفسه إذ ما فتئ الإنسان منذ العصور القديمة يسأل نفسه عن ماهيته وماهية الأشياء والفرق بين الإنسان وما يحيط به من كائنات وكذلك الفرق بين إنسان جماعة معينة وإنسان جماعة أخرى. إذا علم الإنسان في أساسه علم مقارن بين أنواع مختلفة من العقليات وأنماط التفكير القائمة بين البدائيين والمتطورين. أما الغرض الثاني لدراسة علم الإنسان فهو يتمثل في الدراسات السابقة للإنسان والتي تمثل مرآة يستطيع الإنسان أن يرى من خلالها الإنسان المعاصر تاريخ حياته ونظمه وفي هذا السياق فهو يرى كيف كانت النظم العائلية ، وكيف كان أحد أجدادنا القدامى الذين عاشوا في العصور الساحقة في القدم يديرون شؤونهم السياسة والاقتصادية، وكيف كانوا يصورون العالم وذوات بعد الطبيعة وكيف كانوا يتعبدون ويعيشون. وعلم الإنسان يتخذ في دراسته معاملين رئيسيين : الأول: ويتمثل في النظم التي سادت في عصور ماقبل التاريخ وفي عصور التاريخ. الثاني: يتمثل في دراسة المجتمعات البدائية المعاصرة والتي على تفاوت فيما بينها. ويبين وبصورة ماثلة للعيان كيف كان يعيش أسلاف الإنسان في عصور تاريخية وغير تاريخية مختلفة، ومن ثمة فالمجتمعات البدائية تعد بمثابة مرآة ترى فيها الشعوب المتطورة ماضيها وحياة أجدادنا الذين عاشوا في عصور مختلفة ونستطيع أن نعطي مثال على ذلك مثل الجد الذي ينظر إلى حفيده فهو يرى فيه صورة حية لما كان يأتي من تصرفات عندما كان صغيرا، وعليه فالمجتمعات البدائية بهذه الصورة هي مرآة يرى فيها الإنسان الحالي نماذج على الطبيعة في حياة أسلافه في العصور التي مرت، ولذلك يقول أحد العلماء:" إن علم الإنسان يمسك بمرآة كبرى للإنسان ليدعه ينظر إلى نفسه في صور لانهاية لها". "واستناداً إلى مفهوم الانثروبولوجيا وطبيعتها، فإنّ دراستها تحقّق مجموعة من الأهداف، يمكن حصرها في الأمور التالية : - وصف مظاهر الحياة البشرية والحضارية وصفاً دقيقاً، وذلك عن طريق معايشة الباحث المجموعة أو الجماعة المدروسة، وتسجيل كلّ ما يقوم به أفرادها من سلوكات في تعاملهم في الحياة اليوميّة . - تصنيف مظاهر الحياة البشرية والحضارية بعد دراستها دراسة واقعية، وذلك للوصول إلى أنماط إنسانية عامة في سياق الترتيب التطوّري الحضاري العام للإنسان : (بدائي- زراعي- صناعي – معرفي – تكنولوجي) - تحديد أصول التغيّر الذي يحدث للإنسان، وأسباب هذا التغيّر وعملياته بدقّة علمية .. وذلك بالرجوع إلى التراث الإنساني وربطه بالحاضر من خلال المقارنة، وإيجاد عناصر التغيير المختلفة . - استنتاج المؤشّرات والتوقعّات لاتّجاه التغيير المحتمل، في الظواهر الإنسانية / الحضارية التي تتمّم دراستها، بالتالي إمكانية التنبؤ بمستقبل الجماعة البشرية التي أجريت عليها الدراسة. إنّ اهتمام الأنثروبولوجيا بدراسة المجتمعات الإنسانية كلّها، وعلى المستويات الحضارية كافة، يعتبر منطلقاً أساسياً في فلسفة علم الأنثروبولوجيا وأهدافها. ولكن على الرغم من التوسّع في مجال الدراسات الأنثروبولوجية، فما زالت الاهتمامات التقليدية للأنثروبولوجيا، ولا سيّما وصف الثقافات وأسلوب حياة المجتمعات، ودراسة اللغات واللهجات المحلية وآثار ما قبل التاريخ، تؤّكد ولا شك، تفرّد مجال الأنثروبولوجيا عمّا عداها من العلوم الأخرى، ولا سيّما علم الاجتماع. ومن هنا كانت أهميّة الدراسات الأنثروبولوجية في تحديد صفات الكائنات البشرية، وإيجاد القواسم المشتركة فيما بينها، بعيداً عن التعصّب والأحكام المسبقة التي لا تستند إلى أية أصول علمية. وإذا كان علم الأنثروبولوجيا، بدراساته المختلفة، قد استطاع أن ينجح في إثبات الكثير من الظواهر الخاصة بنشأة الإنسان وطبيعته، ومراحل تطوّره الثقافي / الحضاري، فإنّ أهمّ ما أثبته هو، أنّ الشعوب البشرية بأجناسها المتعدّدة، تتشابه إلى حدّ التطابق في طبيعتها الأساسية، ولا سيّما في النواحي العضوية والحيوية" .
أقسام الأنثروبولوجيا "الأنثروبولوجيا تجمع في علم واحد بين نظرتي كل من العلوم البيولوجية والعلوم الاجتماعية، حيث ترتكز مشكلاتها من ناحية على الإنسان عضوا في المملكة الحيوانية، وعلى سلوك الإنسان عضوا في المجتمع من ناحية أخرى. وهي كما تدرس في الجامعات الرئيسية تنقسم إلى أربعة مجالات. الأنثروبولوجيا الثقافية: وهي تتناول وصف وتحليل الثقافات (التقاليد المكتسبة اجتماعيا) في العصور القديمة والحديثة. ومن فروعها الأنثوجرافيا والتي تصف بشكل منهجي الثقافات المعاصرة والمقارنة بين الثقافات" . ويشمل هذا الفرع الثقافة الإنسانية في كل الأزمنة والأمكنة، والتطور الرئيسي لمراحل الثقافة، فالإنسان على ما يقول العالم ماليتوفسكي في مقاله المشهور الذي كتبه في دائرة المعارف الاجتماعية عن الثقافة" هو كائن له شكله الفيزيقي وتراثه الاجتماعي وسيماته الثقافية، فإذا كانت الأنثروبولوجيا الفيزيقية تصنف الإنسان وفقا لبنائه العضوي وخصائصه الفيزيولوجية، وإذا كانت الأنثروبولوجيا السيكولوجية تهتم بالطبيعة الإنسانية، فإن الأنثروبولوجيا الثقافية تدرس الإنسان كما يعيش في ثقافته، إذ أن الطفل حين يولد زنجي الأصل وحين ينتقل إلى بلد متطور مثل أمريكا أو بريطانيا فلا شك أنه سيشب هناك بطريقة مغايرة تماما أو تتميز عما يكون عليه إذا كان نفس الطفل قد نشأ في الغابة موطن ثقافته الأصلية". وفي نفس هذا المعنى يقول الفيلسوف الفرنسي ديكارت في مقال عن المنهج: " ولما تأملت في الرجل نفسه بنفس عقله إذا نشأ منذ طفولته بين فرنسيين وألمانيين فإنه يصبح متخلفا عما يكون عليه لو عاش دائما بين صينيين أو قبيلة اسمها كنيباليين( آكلات لحوم البشر)، وكما أن الأزياء التي أعجبتنا منذ عشرين سنة والتي قد تعجبنا أيضا قبل أن تمضي 20 سنة، تبدو الآن مضحكة وشاذة بحيث تكون العادة والتقليد هما اللذان يؤثران على آرائنا أكثر من علم يقيني". ومعنى ذلك أن الإنسان في كل زمان ومكان له ثقافته وتراثه، وهذا التراث هو المجال الرئيسي في الأنثروبولوجيا الثقافية ، وقد أدى اهتمام علماء الأنثروبولوجيا الثقافية بالثقافة إلى ظهور كثير من المصطلحات أو المفاهيم الرئيسية التي تتصل بمعالجة موضوع الثقافة والمجتمعات المحلية- نذكر منها على سبيل المثال لاالحصر- الاتصال الثقافي، التغير الثقافي، الاكتساب الثقافي، التخلف الثقافي، أنماط الثقافة والثقافة الفرعية. وتعنى الأنثروبولوجيا الثقافية بدراسة ثقافة المجتمعات السابقة، وذلك بمحاولة لإعادة تركيب صورة بنية الحياة لشعب معين في مرحلة معينة ومنطقة إقليمية معينة أيضا، وهي تستعين بذلك بعلم الآثار ما قبل التاريخ، كما تعنى الأنثروبولوجيا الثقافية كذلك بدراسة الثقافة البدائية في المجتمعات التي تتصف بالبساطة والعزلة النسبية. كما تهتم أيضا بثقافات الجماعات المحلية المعاصرة في كل من أوروبا وأمريكا، والتي تمتاز بالحضارة، الرقي والتقدم ومن هنا يمكن عقد المقارنات ودراسة أوجه التشابه والاختلاف بين طرق الحياة لدراسة الشعوب المنقرضة والحالية والبدائية منها والمتقدمة. الأنثروبولوجيا الاجتماعية: يستعمل اصطلاح الأنثروبولوجيا الاجتماعية في بريطانيا والو.م.أ، وقد استخدم هذا المصطلح حديثا جيمس كربز، الذي عرف وحدة الأنثروبولوجيا الاجتماعية" بأنها محاولة عملية للكشف عن ما يسميه بالقوانين العامة التي تحكم الظواهر وتفسر ما في المجتمعات الإنسانية حتى نتمكن بفضلها من أن نتنبأ بالمستقبل. والأنثروبولوجيا الاجتماعية في ذاتها تعد دراسة من نوع خاص قوامها التجربة والفرضية، وتستند التجربة العقلية (الميدانية) على فروض نظرية موجهة كما تقوم على المشاهدة العلمية المنظمة ومن ثمة كانت الدراسة العقلية هي تلك المحاولة السسيولوجية وذلك لتطبيق المنهج الاستقرائي المرتبط أصلا بصلب مناهج العلوم الطبيعية في دراسة المجتمع البشري، وذلك بالكشف عن طبيعته ونظمه وتطوره، وتهتم أيضا الأنثروبولوجيا الاجتماعية بدراسة أنماط السلوك الاجتماعي الذي يتخذ في العادة كشكل أو كنسق من أنساق المجتمع مثل العائلة ، القرابة، النظام السياسي والإجراءات القانونية والعادات الدينية بالإضافة إلى دراسة العلاقات المتبادلة بين هذه النظم سواء في المجتمعات التاريخية أو المعاصرة أي أنها تدرس ما يعرف بالبناء الاجتماعي، وهكذا إذا كان الأنثروبولوجيون الثقافيون يهتمون بدراسة الإنسان لكائن حضاري يعيش في ثقافة ويركزون في الدراسة على ثقافة الشعوب بشقيها المادي والمعنوي، فإن الأنثروبولوجيون الاجتماعيون يهتمون بدراسة الإنسان الاجتماعي وبالنظم والعلاقات الإنسانية والبناءات الاجتماعية. هذا وقد اختلفت الآراء حول العلاقة بين الأنثروبولوجيا الثقافية والأنثروبولوجيا الاجتماعية، إذ ترى المدرسة الانجليزية ضرورة الفصل بينهما على أساس أن لكل منهما فرع مستقل للأنثروبولوجيا وهي تهتم بالأنثروبولوجيا الاجتماعية. أما المدرسة الأمريكية ترى أن الأنثروبولوجيا الاجتماعية هي فرع من الأنثروبولوجيا الثقافية على أساس الفهم الأمريكي لاصطلاح الثقافة فهي تهتم أساسا بالأنثروبولوجيا الثقافية والحقيقة أنه كثيرا ما يصعب الفصل بين هذين الاتجاهين الاجتماعي والثقافي، بحيث يمكن القول أن الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية تدرسان الموضوعات نفسها، فالعالم الذي يدرس البناء الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية غالبا ما يدخل في دراسته ثقافة الأشياء المادية والفنون العلمية فإنها سوف تنتقل إلى دراسة النشاط الاجتماعي والسياسي، وإذا ما بدأت الأنثروبولوجيا الاجتماعية بدراسة الحياة الاجتماعية فإنها تنتقل من ذلك إلى دراسة الأشياء التي هي من نتاج العلاقات الاجتماعية، وعن طريقها تعبر الحياة الاجتماعية عن نفسها، وفي هذا الصدد يذكر مالينوفسكي"إن الأشياء المادية كالأدوات الصناعية كالأسلحة والآلات يمكن أن تتضمن في مجال كل من الأنثروبولوجيا الاجتماعية والأنثروبولوجيا الثقافية". ذلك أن الأنثروبولوجي الثقافي سوف يسير تدريجيا في أبحاثه من تلك الأدوات والأشياء المادية إلى النظم الاجتماعية والسياسية وأنواع الأنشطة الأخرى التي تجعل الحياة الاجتماعية ممكنة وكذلك بالنسبة إلى العالم الأنثروبولوجي الاجتماعي فهو يبدأ دراسته بالحياة الاجتماعية ثم ينتقل منها تدريجيا إلى الأشياء المادية التي تستخدم في المجتمع. الأنثروبولوجيا التطبيقية: تختص الدراسات التي أطلق عليها اسم العلوم التطبيقية بتطبيقات تقوم على أساس من التسليم بالمبادئ وأحسن الأمثلة لهذه الدراسات هي الهندسة التي تطبق مبادئ علم الفيزياء، والطب الذي يطبق مبادئ علم الفيزيولوجيا. وقد استخدم مصطلح الأنثروبولوجيا التطبيقية بين نهاية العشرينات ومنتصف الثلاثينات من القرن 20 ليشير إلى الاهتمام الجديد لعلماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية أو الثقافية في البحث لتقديم المعرفة العلمية والإرشاد العلمي للدول والتنظيمات الأخرى التي تتحكم في الحياة العامة، ومن ثمة فهي فن علمي يرتكز على محاولته الانتفاع والاستخدام الأساسي للنتائج التي يتوصل إليها ذلك البحث العلمي التحليلي، واستغلالها في النواحي العلمية التطبيقية، وفي معالجة مشكلات الجماعات المتخلفة أو القطاعات المتخلفة من المجتمعات الحديثة ولقد عرفت لوسمير الأنثروبولوجيا التطبيقية" بأنها من الميادين الهامة للناس لأنها تساعد على اتخاذ القرارات الاجتماعية وفي معرفة أشياء عن السكان والتعريف بالعادات والتقاليد المختلفة للشعوب". الأنثروبولوجيا الفيزيقية(الطبيعية): وهي تعد من أقدم فروع الأنثروبولوجيا وظهرت في شكل متميز في القرن 19 تحت تأثير المدرسة الدروينية حيث نشأ هذا العلم عن الجمع بين علم التشريح والأفعال المنسقة التي أجريت في علم الحيوان خلال تلك المدة الزمنية. وكان في بداية عهده علما وصفيا، فلم يبدي اهتمام عرضي لمشكلة وصول العنصرية والقوى المحركة للتباين البشري. كما تهتم الأنثروبولوجيا الفيزيقية أيضا بدراسة الإنسان من حيث سماته الفيزيقية، أي من حيث الخصائص الجسمية والصفات التشريحية مثل الجمجمة وارتفاع القامة ولون البشرة ونوع نسيج الشعر وشكل الأنف ولون العينين. فإذا كانت الأنثروبولوجيا الاجتماعية تهتم بما يسمى بالبناء الاجتماعي، فإن الأنثروبولوجيا الفيزيقية تدرس تلك الخصائص والملامح العامة للبناء الفيزيقي للإنسان، كما تدرس كذلك الإنسان العضوي في نشأته الأولى، وفي تطوره من حيث الصفات والخصائص السلالية والوراثية التي تميز وتصنف سلالته وأجناسه، وبمعنى آخر فهي تدرس التاريخ التطوري للكائن البشري مع الالتفات إلى كل خصائصه وملامحه الحالية والمنقرضة. ولقد أثبت الأنثروبولوجيون الفيزيقيون التطور والمراحل التي مر بها النوع البشري حتى وصل إلى الشكل القائم عليه الآن، حيث بينوا مثلا أن مخ الإنسان قد نما بصورة واضحة خلال الأحقاب التاريخية المختلفة في حين تضائل حجم الوجه، وهذا ما أكدته الدراسة المقارنة بين الإنسان الحديث والإنسان المنتصب القامة، ويدرس الأنثروبولوجيون الفيزيقيون كذلك الميكانزمات التي أدت إلى حدوث هذه التغيرات كما يدرسون أيضا المتغيرات المستمرة في حياة السكان. ومن العلوم التي يستعين بها علم الإنسان الفيزيقي هي كما يلي: علم البيولوجيا، علم وظائف الأعضاء، علم التشريح، علم البناء الإنساني، علم دراسة مقاييس الأجسام، علم الجراحة، علم الآثار ماقبل التاريخ، علم اللغويات. وهذه العلوم تستعين بها الأنثروبولوجيا الفيزيقية لتحقيق أهدافها كعلم.